إذا كنت تتساءل لماذا لست سعيداً ، لماذا الأمور دائماً تكون صعبة ، جرب هذه التجربة الفكرية من الإمبراطور الروماني ماركوس أوريليوس.
في البداية يمكنك أن تتخيل أن ماركوس أوريليوس كان رجلاً مشغولاً ، وربما كان الرجل الأكثر انشغالاً في العالم. كان لديه 15 طفلاً من زيجاته. كان يعيش في ظل جائحة من الأمراض المنتشرة مثل ما يحدث في زماننا أو زمانهم. كان يعاني من مرض مزعج في المعدة. وأيضاً كان يأخذ دروس في الفلسفة.
بالرغم من كل ما سبق فهو إمبراطور روما. التي امتد نطاقها في حكمه أكثر من 3.5 مليون كيلو متر مربع ، وعاش في المملكة حوالي 120 مليون شخص، كان مسؤولا عنهم وهم مسؤولون منه.
كيف تمكن من إدارة كل شيء؟ كيف فعل كل شيء ومن دون أن يفقد عقله؟ أو تتراجع الإمبراطورية وتصبح متأخرة؟

سؤالاً واحداً في حياتنا يلعب دوراً كبيراً
كتب ماركوس أوريليوس في تأملاته: «معظم ما نقوله في اليوم أو نفعله ليس ضرورياً». “إذا تمكنت من القضاء عليه، فسيكون لديك المزيد من الوقت والمزيد من الهدوء النفسي. إسأل نفسك في كل لحظة، “هل هذا ضروري ؟”
فكر في حياتك الخاصة. فكر في عدد الساعات التي تنجزها يومياً داخل العمل ، وأنت تعتقد أنك عملت لساعات كثيرة في ذلك اليوم. فكر في معيشتك، فكر في كيف يبدو زواجك أو علاقتك بزوجتك وأولادك. فكر في الحركات أو الأحزاب السياسية التي تؤيدها وتتابعها. فكر في ما الذي تنفق مالك عليه. ما هي أهدافك. ما هي طريقة ترتيب جدولك الزمني. فكر حتى في الأفكار التي تدور في ذهنك.
مع كل ما تفعله في حياتك وفي يومك، فكر فيما تقوله وأنت تتحدث مع الآخرين، أو أي شيئ أنت تديره أو تملكه، أو حتى عندما تسترسل في الحديث أمام الآخرين. دائماً إسأل نفسك، هل هذا ضروري؟ هل هذا أمر أساسي يجب علي القيام به؟ هل الأمر مفيد لغيري أو هو للإستهلاك فقط وتمضية الوقت، دائماً فكر في أمورك على هذا النحو؟ لماذا أفعل هذا؟ ماذا سيحدث إذا تغيرت؟
لذا تجدنا دائماً نتساءل لماذا لا نبذل قصارى جهدنا! لماذا الأمور صعبة! لماذا الأمور تأخذ أكبر من حجمها! لماذا لسنا سعداء!
هذا لأننا نفعل الكثير. أو أننا نقوم بالأشياء بطريقة خاطئة. أو أننا نصر على أن نفعل الأشياء الخاطئة أو الغير ضرورية.
في كتاب جريج ماكيون المسمى بـ Essentialism أو الضرورية ، أغلب القادة يحبون هذه الكلمة. فإذا كنت تريد الوصول إلى هدفك الذي تعمل عليه ليل نهار فعليك فقط أن تفعل ما يجب عليك القيام به، بالطريقة التي يجب القيام بها. فأغلب ما حولك إذا دققت النظر ستجدها أمور هامشية أنت منهمك فيها.
وهذا يعني الشعور بالراحة مع قول «لا» للكثير من الأمور المنشغل بها في حياتك. سيكون الأمر أشبه بالتخلص من الدهون الزائدة في جسدك والتي تسبب لك ثقل في الحركة. لكنك ستدرك قريباً عندما تتتخلص من هذه الزيادات. فأنت تفسح المجال لقول نعم للأمور الهامة التي يجب عليك التركيز عليها والإنشغال بها. وبطبيعة الحال فالعكس من ذلك صحيح، عندما تكثر وتحمل نفسك بالكثير من الأمور الهامشية فأنت تقول «نعم أهلاً بكم» لكثير من الموضوعات التي لست بحاجة لها والتي تنعكس بجعل حياتك أقل مما تستحق. لذلك قد تجد بعض الناس من حولك مستاءين منك لأنك أصبحت تخالف المعهود. فهم يريدون منك أن تشاركهم في قضاء أوقات كثيرة في أحاديث جانبية مضيعة للوقت ، وبالطبع ربما تتحرج من زملائك في العمل أنهم سيشعروا بأنك غريب عنهم ولا تشاركهم نفس المنغصات، لكنك في الواقع بتصفية الأمور الهامة من الغير هامة تجعل حياتك وحياة الآخرين أكثر سعادة بجعل الحياة لها قيمة.
قيل لنا أن الحياة قصيرة
عندما تفكر في حياتك وسنوات عمرك، فستجد أنه ليس لدينا وقت قصير لنعيش، لكننا في حقيقة الأمر نضيع الكثير منه. الحياة طويلة بما فيه الكفاية وقد تم منحنا قدراً كبيراً بما يكفي منها لتحقيق أعلى إنجاز إذا تم إستثمارها بشكل جيد. عندما يتم إهدارها في الترف العشوائي الغير منظم ، وإنفاق أوقاتنا على أي نشاط غير جيد ولا يعود علينا بشئ مفيد، فإننا مضطرون أخيراً بعد العديد من السنوات لإدراك أننا أضعنا الكثير وربما دخلنا مرحلة السبات أو الموت الإكلينيكي حرفياً قبل رحلة التوقف الأخيرة بسبب الموت.
لم نحصل على حياة قصيرة، لكننا نجعلها قصيرة
نحن لم نحرم من الأوقات الجيدة أو التعليم أو العقول الواعية، ولكننا نهدر هذه المنح التي منحنا الله إياها. تماماً كما هو الحال عندما تقع في يد وريث سيء أو مالك ثروة وفيرة، فهو غير واعي، مبدد لكل جميل في حياته، فيتم تبديد هذه الثروة في لحظة. على الجانب الآخر من الصورة حتى وإن كانت هذه الثروة متواضعة وبسيطة في يد وريث أو مالك جيد، فإذا تم تكليفها لشخص أمين على هذه الثروة ، فتزداد مع الإستخدام، وعلى حرصه على عدم إهدارها.
أسقط ما سبق على حياتنا، فتجد أن حياتنا وأوقاتنا تمتد بشكل كبير إذا قمنا بإدارتها بشكل صحيح.
عندما مررنا بوباء الكورونا والذي أوقف الحياة في كافة أنحاء الأرض لفترة زمنية، أغلبنا مرت علينا الأيام وكانت:
- رحلات سفر أقل.
- وجبات عشاء خارج المنزل أقل.
- اجتماعات للعمل أقل.
- دخل أقل.
- مهام أقل.
يمكنك القول بأن إنتشار الكورونا كانت أكبر تجربة حياة قسرية في التاريخ. لقد حطم المرض الكثير من افتراضاتنا حول ما هو ضروري وليس ضرورياً. مثل إعتقادتنا السابقة أن هذا العمل أو الإجتماع لا يمكن القيام به عن بعد! أو أنا لا يمكن أن أعيش بعيداً عن أصدقائي وأهلي!
لكنه حدث بالفعل، جلس الأطفال للتعلم من المنازل، حدثت إجتماعات العمل وحفلات الميلاد في المنازل، وإبتعد الناس عن زملائهم وأهاليهم خشية إنتقال المرض لأحبائهم. توقفت نزهاتنا الاسبوعية ، ورحلاتنا السنوية ، وتوقف تسوقنا لساعات داخل المولات والمحال التجارية.
كان علينا بدايةً أن نكتفي بأقل من ذلك. كان علينا إعادة اختراع كيف تعمل الأشياء. كان علينا إعادة تنظيم كل شيء في حياتنا.
كان من الصعب تحمل بعض أوقات هذا الوباء. بعض الأوقات كنا حزينين ووحيدين. لكن أوقات أخرى كانت أكثر خفة وبهجة لنا. لأنه على الرغم من صعوبة الأشهر القليلة الماضية، إلا أنه كان يعني لنا أيضاً وسط هذا الوباء أننا أصبحنا:
- نتناول المزيد من الغداء والعشاء في المنزل مع أهالينا.
- نقدم المزيد من التقدير للأشخاص والأشياء المهمة في حياتنا.
- نرى بأعيينا من الشرفات منظر السماء والطبيعة من حولنا.
- ندعو الله ونتقرب إليه بالطاعات.
- نكتب مقالات وموضوعات أكثر تركيزاً، حول موضوعات أكثر وزناً.
وكما كتب ماركوس أوريليوس: “إن القيام بما هو ضروري فقط، يؤدي بك إلى رضاء مزدوج: عمل أقل ، وفي نفس الوقت عمل أفضل.”
لذا خذ دقيقة اليوم وإسأل نفسك سؤال ماركوس. هل هذا ضروري؟ هل يجب القيام به؟ هل يمكن الإستغناء عنه؟ هل أنا حقا بحاجة للقيام به؟ ماذا لو قلت لا؟
ماذا سيحدث الآن؟
في كثير من الأوقات التي تمر بها ، ستجد الإجابة هي أنه «لا»، ليس ضرورياً أن أفعله. إنه ليس مهماً ولا ضرورياً. وبقول «لا»، فأنت لا «تتهرب» من مسؤولياتك وواجباتك. بل على العكس من ذلك، فأنت أصبحت بشكل أفضل وأكثر قدرة على أداء واجباتك المهمة ببساطة وبدون تعقيدات تجاه عائلتك وعملك ونحو نفسك.
وكما قال الحسن البصري رحمه الله وغيره من العلماء والمصلحين:
“ما من يوم ينشق فجره إلا ويُنادى:
يا ابن آدم أنا خلق جديد، وعلى عملك شهيد، فتزوّد منى فإني إذا مضيت لا أعود.. إلى يوم القيامة”
“إنما أنت أيام مجموعة كلما مضى يوم مضى بعضك”..!
“أدركت أقواما كان أحدهم أشح على عمره منه على درهمه”..!